فصل: النظر الثاني: في دفع الصائل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.النظر الثاني: في دفع الصائل:

وهو في المدفوع والمدفوع عنه والدفع.
أما المدفوع، فكل صائل، إنسانًا كان أو غيره. فمن خشي من شيء من ذلك فدفعه عن نفسه فهو هدر، حتى الصبي والمجنون إذا صالا، وكذلك البهيمة، لأن من صالت عليه ناب عن صاحبها في فدفعها، إذ لو حضر لوجب عليه، ذلك فمحال أن يجب له عليه غرم مع ذلك.
وأما المدفوع عنه. فكل معصوم من نفس وبضع ومال. قال القاضي أبو بكر: وأعظمها حرمة النفس، قال: وأمره بيده، إن شاء أن يسلم نفسه أسلمها، وإن شاء أن يدفع عنها دفع. قال: واختلف الحال، فإن كان زمن فتنة فالصبر أولى، وإن كان مقصودًا وحده فالأمر سواء، قال: وبعد ذلك الأهل والمال، وأعظم من هذه حرمة، إلا أنه أقوى رخصة الدين، قال الله تبارك وتعالى: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.
وأما كيفية الدفع، فقال القاضي أبو بكر: لا يقصد القتل، وإنما ينبغي أن يقصد الدفع، فإن أدى إلى القتل فذلك. قال: إلا أن يعلم أنه لا يندفع عنه إلا بقتله، فجائز له أن يقصد القتل ابتداء.
لو قدر المصول عليه على الهرب من غير مضرة تلحقه لم يجز له الدفع بالجراح، فإن لم يقدر فله أن يدفعه بما قدر، ولا يتعين قصد العضو الجاني.
ولو عض إنسان يد غيره فسل اليد حتى ندرت أسنانه ضمن السال يده الأسنان، وقيل: لا ضمان عليه.
ولو نظر إلى حرم إنسان من كوة أو صير باب، لم يجز أن يقصد عينه بمذراة أو غيرها، وفيه القود إن فعل. ويجب تقديم الإنذار في كل دفع، ولو كان الباب مفتوحًا فأولى ألا يجوز قصد عينه.

.النظر الثالث: فيما تتلفه البهائم:

وما أكلته البهائم من المزارع بالنهار فلا ضمان على أربابها، لأن على أهل الحوائط إحراز حوائطهم وكرومهم بالنهار.
قال محمد بن حارث: وهذا الكلام محمول على أن أهل الماشية لا يهملون مواشيهم بالنهار، وعلى أنهم يجعلون معها حافظًا وراعيًا. وأما إن أهملت المواشي فأهلها ضامنون.
وأما ما أفسدت المواشي بالليل، فيجب الضمان على أربابها، وإن كان ذلك أضعاف قيمتها، كان ذلك الزرع أو الكرم محجرًا عليه أو غير محجر، محروسًا أو غير محروس، لأن على أهل المواشي إحراز مواشيهم بالليل.
فرعان:
الفرع الأول: قال القاضي أبو الوليد: هذا الحكم يختص عندي بالموضع الذي يكون فيه الزرع أو الحوائط مع المسارح. قال: فأما لو كان الموضع مختصًا بالمزارع خاصة دون المسارح لضمن ربها ما أتلفت، ليلًا كان أو نهارًا. كما أنه لو كان مختصًا بالمسارح دون المزارع، فزرع فيه إنسان على خلاف العادة، لم يضمن أربابها ما أتلفت في ليل أو نهار.
الفرع الثاني:
روى ابن حبيب عن مطرف عن مالك: أن على أربابها قيمة ما أفسدت على الرخاء والخوف أن يتم أو لا يتم.
زاد أشهب وابن نافع عنه: وإن لم يبد صلاحه: وزاد عيسى عن ابن القاسم: قيمته لو حل بيعه، وقال في رواية مطرف: ولا يستأنى بالزرع أن ينبت أو لا ينبت، كما يصنع بسن الصغير.

.كتاب العتق:

وهو من أفضل الأعمال وأعظم القربات نفاذاً ويشهد لنفوذه الكتاب والسنة والإجماع.
والنظر في أركانه وخواصه.
أما:

.(النظر الأول) الأركان:

فثلاثة:

.الأول: المعتق:

وهو كل مكلف لا حجر عليه.

.الثاني: الرقيق:

وهو كل إنسان مملوك، لم يتعلق بعينه حق لازم، ولا وثيقة، على خلاف وتفصيل في عتق الرهن.

.الثالث: الصيغة:

وصريح لفظها التحرير والإعتاق، وفك الرقبة فهو صريح أيضًا. وأما الكناية فكقوله: وهبت لك نفسك، أو اذهب، أو اغرب، أو نحو ذلك، ولا يعمل بدون اقتران نية العتق به. وألحق ابن القاسم بذلك: اسق الماء، وادخل الدار، وغيره من سائر الحروف إذا اقترنت بذلك نية العتق. ولو قال في حال المساومة: هو عبد جيد حر، لم يلزمه شيء لصرف القرينة له إلى المدح دون الإعتاق. ولو قال: إن بعتك فأنت حر، عتق عليه حين باعه ورد ثمنه على مبتاعه. ولو قال البائع: إن بعته فهو حر، وقال المبتاع أيضًا: إن ابتعته فهو حر، ثم تبايعاه عتق على البائع.

.النظر الثاني: في خواص العتق:

وهي ستة: السراية والحصول بالقرابة. والحصول بالمثلة. والامتناع من المريض فيما جاوز الثلث. والقرعة. والولاء.
الخاصية الأولى: السراية، ومن أعتق بعض عبده سرى إلى الباقي وفي عتقه بالسراية أو بالحكم روايتان. وكذلك لو أعتق عضوًا معينًا. وإن أعتق شركاء له في عبد قوم عليه الباقي بشروط:
الشرط الأول: أن يكون موسرًا بمال فاضل عن قوت الأيام وكسوة ظهره، كما في الديون التي عليه، ويباع عليه منزله الذي يسكنه، وشوار بيته.
وقال أشهب: إنما يترك له ما يواريه لصاته.
وقال عبد الملك: يترك له ما لا يباع على المفلس ولو كان عليه دين بقدر ماله فهو معسر، والمريض معسر، إلا في قدر الثلث، والميت معسر مطلقًا حتى إذا قال: إذا مت فنصيبي منك حر لم يسر، لأن ميراثه صار للورثة. وقيل: هو موسر بعد الموت فيقوم في ثلثه. ولو كان المعتق موسرًا بالبعض لسرى بذلك القدر، ولو رضي الشريك المتمسك باتباع ذمة المعتق المعسر لم يكن له ذلك عند ابن القاسم. وروي في كتاب محمد أن ذلك له. قال مطرف وابن الماجشون قال مالك ولا يستسعى العبد إذا كان المعتق معسرًا، إلا أن يتطوع سيده بذلك، فذلك له.
وكذلك لو عرض العبد أن يعطي ماله ويعتق لم يكن ذلك له. وكذلك ما استفاد من ذي قبل.
فرع:
لو رفع إلى الحاكم فحكم بسقوط التقويم لإعساره فلا تقويم عليه بعد وإن أيسر، فإن لم يرفع حتى أيسر، ففي إثبات التقويم بعد ذلك ونفيه روايتان.
الشرط الثاني: أن يحصل العتق باختياره أو بسببه:
فلو ورث نصف قريبه فعتق لم يسر، ولو اتهبه أو اشتراه لسرى.
الشرط الثالث: أن يوجه العتق إلى نصيب نفسه، أو إلى الجميع حتى يتناول نصيبه. أما لو قال: أعتقت نصيب شريكي، للغا قوله. ولو قال: أعتقت نصيبي من هذا العبد لعتق نصيبه منه وكذلك لو قال: أعتق هذا العبد كله، عتق نصيبه منه، وقوم عليه بقيته في الوجهين.
ثم إذا وجدت الشروط فتتعجل السراية في إحدى الروايتين.
قال القاضي أبو محمد: وأظهر الروايتين أن السراية إنما تحصل بالتقويم ودفع القيمة إلى الشريك. ويتفرع على الروايتين مسائل:
إحداهما: زمن اعتبار القيمة فعلى أظهر الروايتين يوم الحكم إذا قصر العتق على نصيبه، وإن عمم في جملة العبد فيوم العتق.
وقال مطرف وابن الماجشون: بل يوم الحكم، كالمقتصر على نصيبه. وروي عن أشهب وأصبغ وابن عبد الحكم. وأما على الرواية الأخرى فيوم العتق على كل حال.
الثانية: لو مات العبد قبل التقويم، فعلى أظهر الروايتين لا تقويم، وعلى الأخرى يقوم.
الثالثة: عتق الشريك لحصته، ينفذ على أظهرهما، ولا ينفذ على الأخرى، بل يلزم التقويم.
وأجرى الأستاذ أبو بكر بيعه لصحته قبل التقويم أيضًا على ذلك، وقال: على المشهور يقوم للمشتري كما يقوم للبائع.
وفي الكتاب إذا أعتق أحدهما ثم باع الآخر رد بيعه للتقويم على المعتق. قال ابن حبيب: رواه المصريون والمدنيون من أصحاب مالك عنه.
قال الأستاذ: ويجب أن يكون سائر أحكامه في شهادته وجنايته وحدوده إلى غير ذلك، على هاتين الروايتين، على المشهورة: أحكامه في جميع ذلك أحكام العبيد حتى يقوم، وعلى الأخرى: أحكامه أحكام الحر من يوم العتق.
فرعان:
الفرع الأول: في اختلاف أحوال السادة والعبيد. وللاختلاف صورتان.
الصورة الأولى: في الدين، بأن يكون أحدهما مسلمًا والآخر ذميًا، فإن أعتق المسلم كمل عليه مسلمًا كان العبد أو ذميًا. وإن أعتق الذمي فقال أشهب ومطرف وابن الماجشون: يقوم عليه.
وقال في المختصر الكبير: لا يقوم عليه. وفرق ابن القاسم، فألزم التقويم إن كان العبد مسلمًا، وأسقط إذا كان ذميًا.
لو كان الشريكان ذميين والعبد مسلم ففي التقويم روايتان. ولا خلاف في إثبات التقويم إذا كان السيدان مسلمين، وإن كان العبد ذميًا وأولى إذا كان الثلاثة مسلمين، كما لا يختلف في أنهما لا يلزمهما التقويم إذا كانوا ذميين.
الصورة الثانية: أن يختلف السيدان في الرق والحرية، فإن أعتق العبد حصته، ففي كتاب محمد: لا عتق له إلا بإذن السيد فإن أذن قوم في مال السيد، كان للعبد مال أو لم يكن. وكذلك لو كان بغير إذنه ثم أجاز قال سحنون في كتاب ابنه: ويستوعب في ذلك مال السيد وإن احتيج إلى بيع رقبة العبد. قال ابن القاسم: لو قال السيد قوموه على العبد فيما بيده، لم يقوم عليه.
الفرع الثاني:
لو أعتق بعض عبده إلى أجل، ففي كتاب ابن سحنون: من أعتق حصته من عبد إلى سنة، قال مالك وابن القاسم والمغيرة: يقوم عليه الآن فيعتق إلى الأجل.
قال سحنون: إن شاء المتمسك قوم الساعة وكان جميعه حرصا إلى سنة، وإن شاء تماسك وليس له بيعة قبل السنة إلا من شريكه، فإذا تمت السنة قوم على مبتدئ العتق بقيمة يوم التقويم.
وقال عبد الملك. هذا إن تماسك الثاني، وإن عجل الثاني العتق، فقال ابن القاسم: تقوم خدمته إلى سنة فتؤخذ من الذي عجل العتق وتدفع إلى صاحبه. ثم رجع فقال: يقضي عليه بعتق نصفه الآن ونصفه إلى سنة، ولا يؤخذ من هذا قيمة خدمته، وولاؤه لغيره. فأما لو بتل الأول وأجل الثاني، فقال ابن القاسم في الكتاب: يفسخ ويضمن الشريك حصته. وكذلك لو دبر حصته. قال القاضي أبو محمد: وهو كمن لم يعتق وتدفع إليه القيمة، وينجز العتق.
وقال عبد الملك: يقع العتق منجزًا منهما. ورواه ابن سحنون عن المغير، قال: لأن الثاني ترك التقويم، واستثنى من الرق ما ليس له. وحكى الشيخ أبو القاسم: إن أعتق الثاني حصته إلى أجل أو كاتب أو دبر، وشريكه موسر، لم يكن له ذلك. ولو كان معسرًا جاز ذلك.
فروع في التقويم على الرواية المشهورة:
الفرع الأول: أن العبد إنما يقوم على من ابتدأ التبعيض فيه، فلو كان العبد بين جماعة، فأعتق أحدهم نصيبه، ثم أعتق آخر بعده قبل التقويم على الرواية المشهورة، فالتقويم على الأول خاصة إذ هو المبتدئ بالتبعيض. وكذلك من ورث حصة موروثه فعتق عليه بالملك فلم يسر إذا لم يختر العتق ولا سببه، ثم اشترى منه حصة أخرى عتقت عليه ولم تقوم عليه بقيته إذ لم يبتدئ بها التبعيض.
الفرع الثاني:
إن المعتق يقوم كاملاً لا عتق فيه. وقيل: يقوم نصفه على أن نصفه الآخر حر.
قال الشيخ أبو عمران: وليس بالجيد. قال: والذي اتفق عليه أصحابنا أنه إنما يقوم على أن جميعه مملوك، ثم يقوم العبد على ما يساوي في مخبرته وصنعته وبماله وما حدث له من ولد بعد العتق أو مال، والأمة كذلك بولدها ومالها.
قال: ولو كان العبد زراعًا إن قوم بالفسطاط كان أقل قيمة فليقوم بموضعه ولا يجلب إلى الفسطاط. ولو تقاوى الشريكان العبد والأمة فبلغاه أضعاف قيمته، فعمد أحدهما فأعتقه، فروى عيسى عن ابن القاسم أنها نزلت بالمدينة في جارية بين رجل وزوجته فحكم فيها بعض العلماء بأن ينادي عليها، فإن زادت على ذلك وإلا ألزمه الزوج، فاستحسنه مالك. ولو تعيب العبد قبل التقويم قوم بعينه. فأمر مجرد دعوى المعتق أن العبد سارق أو آبق فلا يقبل منه. فإن ادعى أن الشريك عالم بذلك فأنكر شريكه، ففي توجه اليمين عليه وعدم توجهها قولان لأشهب وابن القاسم.
وروي عن ابن القاسم أنه رجع إلى مثل قول أشهب في إيجابها عليه، وهو اختيار أصبغ، والأول اختيار محمد.
الفرع الثالث:
إذا أعتق شريكان معًا ما يخصهما، وبقي لهما في العبد شريك أو أشراك، قوم محل السراية عليهما معاً، ثم إن استوى نصيبًا المعتقين فالقيمة بينهما نصفان، وإن اختلفا وزعت على قدر النصيبين في رواية أشهب، وهي اختيار القاضي أبي بكر.
وقال المغيرة: هي بينهما نصفان. ولو كان أحدهما معسرًا لوجب على الآخر كمال القيمة.
وقال عبدالملك: عليه بقدر نصيبه خاصة.
الفرع الرابع:
قال ابن حبيب: قال مالك: لا يقوم على الأول حتى يعرض على شريكه أن يعتق، فإن أعتق ذلك له، وإن أبى قوم على الأول، فإن رجع بعد إبائه قبل التقويم على الأول فذلك له ما لم يقوم، وقاله ابن الماجشون ورواه ابن القاسم وابن وهب.
قال مالك: سواء أعتق بإذن شريكه أو بغير أذنه، فلابد أن يقوم أو يعتق. وكذلك لو قال العبد: لا حاجة لي بعتق ما بقي مني، لم يلتفت إليه.
قال ابن القاسم: إذا قال شريك الملي: أنا أقوم، ثم قال: أعتق، فليس له إلا التقويم ولو قال: أنا أعتق، ثم قال: أقوم، فلا رجوع له. وعند ابن حبيب له أن يرجع.
الخاصية الثانية: عتق القرابة. ومن دخل في ملكه أحد عموديه، أعني أصوله، وهو العمود الأعلى: الآباء والأمهات والأجداد والجدات وآباؤهم وأمهاتهم من قبل الأب ومن قبل الأم وإن علوا، وفصوله وهو العمود الأسفل، أعني المولودين الولد وولد الولد، ذكورهم وإناثهم وإن سلفوا، عتق عليه. وسواء دخل عليه قهرًا بالإرث أو اختيارًا بالعقد. ويلحق بالعمودين الجناح، وهو عمود الإخوة والأخوات، من أي جهة كانوا، دون أولادهم. وزاد ابن وهب العم خاصة.
وروى أنه يلحق بهم ذي رحم محرم عليه بالنسب، وهو كل من لو كان امرأة لم يجز له نكاحها. وروي أنه لا يعتق عليه إلا أصوله وفصوله. ولا يشتري للطفل قريبه، ولكن يتهب الولي له جميعه. ولا يقبل له بعضه إن كان موسرًا، فإن قبل له نصف قريبه مع الإيسار لم يعتق عليه إلا ذلك النصف فقط. وكذلك لو ورثه. ولو لم يقبل الهبة للطفل أبوه ولا وصبه لعتقت الحصة الموهوبة له عليه. والمريض إذا اشترى قريبه عتق إن وفى به ثلثه، وإلا لم يعتق. وإن ملكه بغرث فيحسب من رأس المال. وإن اشترى نصفه قريبه عتق، وسرى إن وجدت شروط السراية. ولو ورثه لم يسر. ولو وهب له جزء فقبله عتق وسرى. قال في كتاب الولاء: فإن أوصى له بأبيه، والثلث يحمله، عتق عليه، قبله أو رده، والولاء له، فإن لم يحمل إلا بعضه أو لم يوص له إلا ببعضه، فإن قبله قوم عليه باقيه، وإن رده فروى علي عن مالك: أن الوصية تبطل. قال محمد: وروي عن مالك: أن ذلك الشقص يعتق قبله أو لم يقبله.
قال ابن القاسم: والولاء للموصى له قبله أو رده، وكأن يقول: إن لم يقبله فولاؤه لسيده، ثم رجع فقال: للموصى له. وكذلك في الهبة والصدقة في الصحة به أو ببعضه.
وقاله أصبغ في الوصية.
وأما الصدقة فقال: لا يعتق إلا أن يقبله كله أو بعضه. قال محمد: بل الصدقة والوصية واحد، والصدقة آكد في صدقه بعضه أنه قبله عتق عليه كله، وإن لم يقبله فهو حر كله على سيده.
ولو وهب لصغير أخوه، أو أوصى له به فقبله أبوهما عتق عليه، ولو كان شقصًا منه عتق ذلك الشقص ولم تقوم على الصبي بقيته ولا على الأب الذي قبله عنه والوصي مثله وإن لم يقبل ذلك له أب أو وصي عتق ذلك الشقص على الصبي.
فرع:
إذا ورث من يعتق عليه وعليه دين، فروى محمد عن ابن القاسم: يباع في دينه مثل اشترائه، ولا يعتق عليه وعليه دين.
وأما إذا وهب لغير ثواب فهو معتق ولا سبيل لأهل الدين فيه، لأن صاحبه لم يهبه إلا ليعتق: وقال أشهب فيما وهب له لغير ثواب أو ورثة أو وصي له به: لا سبيل لأهل الدين فيه، وهو حر يملكه إياه. قال محمد: ما ورث لا يباع أيضًا، مثل قول أشهب.
قال أبو محمد عبد الحق: قال بعض شيوخنا: معنى المسألة في الهبة أن الواهب علم أنه ممن يعتق عليه، فكأنه إنما قصد عتقه إياه عنه، فلا سبيل لأهل دينه عليه. وأما لو لم يعلم أنه ممن يتق عليه لبيع للغرماء على قول ابن القاسم، ويكون كالميراث. قال عبد الحق. وكلام ابن القاسم على هذا يدل، لأنه قال في كلامه: لأنه صاحبه لم يهبه إلا ليعتق، فدل هذا على أنه ممن يعتق عليه.
الخاصية الثالثة: العتق بالمثلة: فمن مثل بعبده عتق عليه إذا كانت مثلة بينة، والمعتبر في ذلك أمران: أحدهما: أن يكون الفعل عمدًا. والثاني: أن يبلغ بذلك الشين، قاله أشهب وعيسى بن دينار.
قال في كتاب محمد: من تعمد قطع أنملة أو طرف أذن أو أرنبة؛ أو قطع بعض الجسد، عتق عليه وعوقب، قاله أشهب، ويسجن. وهكذا روى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وابن القاسم وأصبغ: من قطع طرف أنملة عبده، أو قطع ظفره، أو شرق أذنيه عتق عليه قال سحنون: فأما ما يعود من الجراح فليس بمثله. يعني فيما عاد على غير شين. فأما ما عاد على شين فاحش فقال أشهب وابن وهب وأصبغ: من أبق عبده فوسمه في جبهته، كتب فيه: آبق، يعني بالنار، فإنه يعتق عليه لأنه شين فاحش.
قال أصبغ: فأما لو فعل ذلك في ذراعيه أو باطن جسده لم يعتق عليه.
وروى ابن حبيب عن ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: من وشم وجه عبده عتق عليه، ولم يفرق بين نار وغيره.
وقال في كتاب محمد: قلع الأسنان مثله، يعتق عليه، وقاله ابن القاسم وأصبغ: في جل الأسنان. وأما قلع الضرس الواحد فقال مطرف وابن الماجشون في الواضحة: يعتق عليه.
قال مالك: من سحل أسنان عبده عتق عليه. يعني أن يبردها حتى تذهب.
قال عيسى بن دينار: وكذلك لو سحل له سنًا واحدة وقال أصبغ: لا يعتق في السن الواحدة بحال. قال مالك: وأما حلق الرأس واللحية فيس ذلك بمثله في عبد ولا حلق الرأس بمثله في الأمة.
وقال ابن وهب: يؤدب من فعل ذلك بعبده، أو حلق رأس جارته على وجه الغضب. وروى ابن الماجشون: إلا أن يكون العبد التاجر الوجيه اللاحق بالأحرار في هيئته، فحلق سيده لحيته. والأمة الفارة الرفيعة يحلق سيدها رأسها، فإنها مثلة.
ومن حلف ليضربن عبده مائة سوط، قال أصبغ: هذا مما يخاف فيه العطب فليجعل عتقه.
وقال مطرف وابن الماجشون: قد أساء، ويترك وإياه، فإن ضربه بر. وإن كانت أمة حاملاً فقال ابن الماجشون: يمنعه السلطان، فإن ضربها بر في يمينه وأثم. ولو كانت اليمين على أكثر من مائة سوط مما فيه الشنعة، لعجل عتقه عند مطرف وابن الماجشون.
فرعان:
الفرع الأول: قال ابن القاسم: من يعتق بالمثلة لا يعتق إلا بالحكم.
وقال أشهب: بالمثلة يصير حرًا. وإن مات السيد قبل أن يعلم به فهو حر من رأس ماله.
وقال ابن عبد الحكم: أما المثلة المشهورة التي لا يشك فيها فهو حر بنفس المثلة، وأما ما يشك فيه فلا يعتق إلا بالحكم، كالإبلاء البين أجله من وقت اليمين، وما يدخل بسبب يوم الحكم.
وروى سحنون عن مالك في العتبية: من مثل بامرأته طلقت عليه، كما لو باعها، لأنه لا يؤمن على غيبها. فأما لو وقعت المثلة على وجه الخطأ فلا يعتق عليه.
قال ابن لقاسم: من ضرب عبده بسوط في أمر عتب عليه فيه ففقأ عينه لم يعتق عليه. قال سحنون: من ضرب رأس عبده فنزل الماء في عينه فليس بمثله تقتضي أن يعتق عليه.
الفرع الثاني:
لو حصلت المثلة، ثم تنازع السيد والعبد في أنها على وجه العمد أو الخطأ، فقال سحنون: القول قول العبد والزوجة، ثم رجع إلى أن القول قول السيد والزوج، لأن الأصل عدم العداء.
قال أشهب: وإن مثل الذمي بعبده النصراني عتق عليه. ولو كان معاهدًا حربيًا لم يعتق عليه.
وقال ابن القاسم: لا يعتق على الذمي إلا أن يمثل به بعد أن يسلم.
ولو مثل السفيه بعبده لعتق عليه عند ابن وهب وأشهب وأصبغ، ولم يعتق عليه عند ابن القاسم.
وإذا مثلت ذات الزوج بعبدها فهل يعتق عليها إذا جاوزت الثلث وإن كره زوجها أم لا؟ قولان لابن وهب وسحنون، ورواه عن ابن القاسم. وهل يعتق على العبد المديان بالمثلة أم لا؟ قولان لابن القاسم.
الخاصية الرابعة: امتناع العتق بالمرض: فمن أعتق عبدًا لا مال له غيره عتق ثلثه فقط. وإن كان عليه دين مستغرق لم يعتق منه شيء. ولو أعتق ثلاثة أعبد من جملة عبيدة عتق منهم جزء مساو لنسبتهم من الجملة. ولو مات بعضهم قبل موت السيد، فهل يعتق ذل الجزء من الجملة الأولى أو ممن بقي؟ فيه خلاف بين ابن المواز وابن الماجشون.
الخاصية الخامسة: القرعة: ومحلها أن يعتق عبيدًا معًا في المرض، أو يوصي بعتقهم إذا لم يكن له مال سواهم. قاله ابن القاسم وابن نافع وعيسى بن دينار ومطرف. في رواية ابن مزين عنه قال: فقلت له: هل هو قول مالك؟ فقال: هذا الذي لا يعرف غيره. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إن بتلهم في مرضه أو بتل بعضهم أو أوصى بعتقهم، فلم يحملهم الثلث فليقرع بينهم، كان له مال سواهم أو لم يكن.
وقال أصبغ: لا يقرع بينهم في البتل.
ولو أعتق على ترتيب فالسابق مقدم. ولو نص على أسمائهم واحدًا واحدًا فلا تدخل القرعة حينئذ، بل يعتق منهم بالحصص، قاله سحنون. وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: سواء سماهم بأسمائهم، أو قال: عبيدي أحرار، أو غلماني أحرار، أقرع بينهم.
وقاله لي أصبغ عن ابن القاسم. ولو قال: الثلث من كل واحد منهم حر لم تجر القرعة، وعتق من كل واحد بحصته.
وطريق القرعة إذا جزؤوا ثلاثة أجزاء أن يكتب اسم كل جزء، واحدًا كان أو أكثر في رقعة، وتدرج في بنادق متشابهة، وتجعل في كم أحد، صغير أو كبير، ثم تخرج واحدة فيعتق من فيها، ولا يتعين الكاغد، بل يجوز بالخشب والنوى. ولا يجوز بشيء فيه خطر كقولهم: أن طار غراب ففلان يتعين للحرية، أو ما يشبه هذا.
أما كيفية التجزئة فتسهل إذا أمكن تجزئتهم بثلاثة أجزاء متساوية في القيمة، ولا بأس أن يتساوى عددهم بأن يجبر الخسيس بالنفيس، فإن لم يمكن كما لو كانوا ثمانية أعبد قيمة كل واحد مائة أقرع بين جميعه، فمن خرج سهمه عتق، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه حتى ينتهي إلى كمال الثلث بواحد أو ببعضه. وصورته أن تكتب أسماؤهم في رقاع أو غيرها كما ذكرنا، ثم يخرج منهم أول وثان وثالث، إلى حيث تنتهي القيمة في واحد بكله أو ببعضه.
فروع:
الفرع الأول: إذا أبهم العتق بين جاريتين ولم يقصد واحدة بعينها، وقلنا بتخيير في تعيين أيتهما أحب، على إحدى الروايتين، فوطئ إحداهما، كان ذلك تعيينًا للملك في الموطوءة. وكذلك في اللمس بالشهوة.
الفرع الثاني:
إذا قال: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت توأمين، كان الأول منهما حرًا، وإن ولدت الأول ميتًا انحلت اليمين، ولم يعتق الحي بعده.
الفرع الثالث:
إذا قال للمملوك: أنت ابني، عتق عليه ولحقه، إلا أن يكذبه الحسن، بأن يكون أكب رمن السيد سنًا، أو الشرع، بأن يكون مشهور النسب من غيره، فلا يلحق به، ولا يعتق.
الفرع الرابع:
إذا قال: إن أعتقت غانمًا فسالم حر، ثم أعتق غانمًا، وكل واحد ثلث ماله، عتق غانم ولا قرعة، لأنه ربما يخرج على سالم فيعتق من غير وجود الصفة.
الخاصية السادسة: الولاء، والنظر في سببه وحكمه.
أما السبب فهو زوال الملك بالحرية، فمن زال ملكه بالحرية عن رقيق فهو مولاه، سواء أنجز أو علق أو دبر أو استولد أو كاتب أو أعتق العبد بعوض أو باعه من نفسه أو أعتق عليه، إلا أن يكون السيد كافرًا والعبد مسلمًا أو يكون السيد عبدًا أعتق بإذن سيده له في ذلك في حالة يجوز له فيها أن ينتزع ماله. فإن كان السيد كافرًا فلا ولاء له على عتيقه المسلم، بل يكون ولاءه لجميع المسلمين. ثملا يعود إليه بإسلامه.
وأما لو أعتق الكافر كافرًا ثم أسلم العتيق، فمتى أسلم السيد فولاؤه عليه باق. وإن مات العتيق قبل إسلامه ورثه أقرب الناس إلى الكافر المعتق من المسلمين. وإما العبد إذا أعتق في الحالة المذكورة فلا يرجع إليه الولاء أبدًا. وإن عتق وهو مخالف للمكاتب في هذا وأما ما أعتقه بغير إذن سيده ثم لم يعلم به السيد حتى عتق العبد المعتق فالولاء له دون السيد.
وحقيقة الولاء أنه لحمة كلحمة النسب فإن المعتق سبب لوجود الرقيق لنفسه كما أن الأب سبب لوجود الولد إذا كان العبد مفقودًا لنفسه موجودًا لسيده، فقد أوجده لنفسه بالعتق. وعلى هذا المعنى نبه الحديث، إذ قال صلى الله عليه وسلم: لن يجزئ ولد والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه لأنه إذا أعتقه فقد كافاه إذ صار سببًا لوجوده الحكمي، كما كان الأب سببًا لوجوده الحسي، ولذلك تحرم الصدقة على موالي بني هاشم في قول. ولو أوصى لبني فلان لدخل مواليهم في الوصية على قول أيضًا.
وكذلك لو شرط نفي الولاء أو ثبوته لغير المعتق عن نفسه للغي. فأما إن أعتق عن غيره فالولاء للمعتق عنه إن كان معينًا، كان بإذن أو بغير إذنه. واختلف فيه إذا كان عن جماعة المسلمين، كما إذا قال لعبده أنت سائبة، فمعناه العتق عن جماعة المسلمين فيكون الولاء لهم. قاله ابن القاسم ومطرف.
وقال ابن حبيب عن نافع وابن الماجشون: ولاؤه لمعتقه. وفي المدنية من رواية يحيي بن يحيي عن ابن نافع: لا سائبة عندنا اليوم في الإسلام. ومن أعتق سائبة فولاؤه له. ولا يثبت الولاء بالموالاة والعهد.
ويسترسل الولاء على أولاد المعتق وأحفاده، ومعتقه ومعتق معتقه، فالمولى إما المعتق أو معتق الأب أو معتق الأم أو معتق المعتق، وما قدمناه من استرسال الولاء على أولاد المعتق فذلك في من لم يمسه رق، فأما من مسه الرق فلا ولاء عليه إلا لمعتقه أو لعصبات معتقه أو لمعتق معتقه لأن المباشرة أقوى. ومن كانت أمه حرة أصلية فثبوت الولاء عليه من جانب الأب.
هذه قاعدة الولاء، والنظر بعدها في التقديم والتأخير، والأصل فيه أنه لا ولاء مع مباشرة العتق لغيره، فإن لم يكن مباشرًا فالولاء لمعتق الأب. فإن كان الأب رقيقًا بعد فلمعتق الأم إلا أن يعتق الأب فيجر إلى معتقه ويستقر عليه. وإن كان الأب رقيقًا فأعتق أبو الأب انجر الولاء إلى معتقه، ثم ينجر منه إلى معتق الأب إن أعتق.
ومن أعتق ما في بطن أمه الحامل من زوج عبد لغيره ثم عتق، ثم وضعت بعد عتقه فولاء الولد لسيده المعتق له، لأنه مباشر لا لمعتق الأب، ولو أعتق أمه بعد عتقه للجنين، ثم عتق الأب قبل أن تضع فولاء الولد لسيد الأمة لا يجره معتق الأب وذلك إن ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم عتق الأم، وإن كان بستة أشهر فأكثر، قال الشيخ أبو محمد: يريد وليست بظاهرة الحمل، والزوج مرسل عليها، فإن الأب يجر ولاءه إلى معتقه.
قال في كتاب محمد: وإن ادعى معتق الأب أنها حملت بعد أن عتقت، وقال معتقها: بل كانت حاملاً به يوم العتق، فمعتق الأب مصدق وولاؤهما له، إلا أن تكون بينة الحمل يوم عتقت، أو تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم عتقت، فيكون ولاؤه لمعتق الأم، ولا ينظر إلى قول الأب والأم في ذلك.
النظر الثاني في الحكم: وحكم الولاء العصوبة، فيقيد الميراث وولاية النكاح وتحمل العقل والولاء للمعتق. فإن مات فميراث العتيق الأولى عصابته يوم موت العتيق، فلو خلف أبًا وأمًا فلا شيء للأم. وكذلك لو خلف ابنًا وبنتًا فلا شيء للبنت. بل لو خلف أباً وابنًا فلا شيء للأب، لأنه ليس عصبة مع الابن، والميراث لعصبة المعتق. ولا يعصب الأخ أخته في باب الولاء. وعلى الجملة فيورث به ولا يورث هو في نفسه، وإنما يرث به العصبات، فيقدر موت المعتق بدل موت العتيق، فكل من يأخذ ميراثه لعصوبته فيأخذ ميراث عتيقه.
ولا يثبت الولاء لامرأة أصلاً إلا إذا باشرت العتق فلها الولاء على من أعتقت، وعلى من جر ولاءه لها بولادة أو عتق، فيسترسل ولاؤها على أولاده وحدته ومعتقيه كالرجل. والأخ لا يقاسم الجد في الولاء، بل الأخ أولى، وابن الأخ أيضًا أولى من الجد لقوة البنوة. والأخ من الأب والأم مقدم على الأخ للأب.
وإذا اجتمع أب المعتق ومعتق الأب فلا ولاء لمعتق الأب أصلاً، لأن على الميت ولاء مباشرة، فالولاء لعصبات معتقة وهو الأب. وكذلك قد يظن أن معتق أبي المعتق أولى من معتق المعتق لأنه يدي بالولادة حيث توسط الأب وهو غلط، لان الميت عليه ولاء مباشرة فلا حق فيه لمن يدلي بإعتاق أبيه.
فروع في جر الولاء: قال الشيخ أبو محمد: قال مالك في ابن وابنة اشتريا أباهما فعتق عليهما، ثم أعتق الأب عبدًا فمات الأب، ثم مات مولاه، فميراث الأب بينهما على الثلث والثلثين، وميراث الولاء للابن وحده.
وكذلك لو كانت البنت هي معتقة الأب كله، لأنه إنما يورث بالولاء إذا عدم الميراث بالنسب، فولد الرجل يرث مواليه دون من أعتق أباه. ولو كان موضع الأخت أجنبيًا أعتق نصيبه لكان ميراث موالي الأب للابن دون الأجنبي الذي شاركه في عتق أبيه. ولو أن الابن والابنة اللذين أعتقا أباهما مات الابن أولاً فورثه أبوه، ثم مات الأب أو كان موضع البنت أجنبيًا اعتق نصيبه وترك الأب موالي، فأما الابنة فترث من أبيها النصف بالرحم ونصف النصف الباقي بالولاء. والباقي لأخيها الميت، ولها، في ولائه نصف فلها نصف ذلك الربع، فصار لها سبعة أثمان المال، والثمن لموالي أم أخيها، لها من موالي أبيها النصف، والنصف الذي لأخيها لها فيه نصفه فقط. وأما الأجنبي فإن لم يدع الأب وارثًا غيره فله ثلاثة أرباع ما ترك.
وكذلك من مات بعد من مواليه، قال: وإن هلك الابن أولاً وترك بنتًا، وهلكت ابنة الأب وتركت ابنًا ذكرًا، ثم هلك الأب عن مال وموال، فلبنت ابنه النصف بالرحم فقط، ولابن البنت ثلاثة أرباع النصف الباقي، والثمن الباقي لموالي أم أخيها، لأن ابن البنت ورث ما لأمه من الولاء ولها نصف ولاء الأب، والنصف لأخيها، فجر إليها الأب نصف ولاء أخيها فورث ابنها نصف نصيبه أيضًا.
وقال الشيخ أبو محمد أيضًا: ابنتان اشترتا أباهما، ثم اشترت إحداهما مع الأب أخًا لها هو ابن الأب، فعتق عليهما، ثم ماتت التي لم تشتر الأخ فمالها لأبيها، ثم مات الأب فماله بين الابن والبنت أثلاثًا بالنسب، ولا مدخل للولاء. فإن مات الأخ، فلأخته النصف بالنسب وما بقي لمواليه، ومواليه: هي وأبوه الميت، فهو بينهما نصفان صار لها ثلاثة أرباع المال، وللأب الريع فهو لمواليه، ومواليه ابنتاه: هذه والتي ماتت قبله، فهو بينهما نصفان، صار لهذه سبعة أثمان المال، وللميتة قبل الأب الثمن يكون موروثا عنها لموالي أبيها، وموالي أبيها: هي نفسها وأختها، صار للباقية سبعة أثمان المال ونصف ثمن، وللميتة قبل الأب نصف ثمن يكون لموالي أمها. وتصح المسألة من ستة عشر، فقد ورثت هذه الأخت مرة واحدة بالنسب وثلاث مرات بالولاء، مرة بصريح عتق أخيها، ومرة بصريح عتق أبيها، ومرة بما جر إليها أبوها من ولاء أختها.
وقال أيضًا: ابنتان اشترتا أباهما فعتق عليهما، ثم اشترت إحداهما مع الأب أما لها، فأعتق الأب نصيبه منها، ثم اشترت الأم مع التي اشترتها أخًا لها وهو ابن الأب والأم. ثم ماتت التي لم تشتر غير الأب فورثها أبواها: لأمها السدس ولأبيها ما بقي، ثم مات الأب فماله لابنه وابنته: للذكر مثل حظ الأنثيين بالنسب، ولا حق للمولى، ولا شيء للزوجة، لا، نكاحها قد انفسخ بملكه بعضها. ثم ماتت الأم فميراثها بين ابنها وابنتها: للذكر مثل حظ الأنثيين بالنسب أيضًا. ثم مات الأخ، فلأخته النصف بالنسب، وما بقي لمواليه، وموالية: أخته هذه وأمه، فيصير للأخت ثلاثة أرباع المال، وللأم ربعه، وهي ميتة، فهو موروث عنها لمواليها، ومواليها: ابنتها هذه وزوجها، فهو بينهما نصفان، صار لها سبعة أثمان المال وللأب الثمن، فهو موروث عنه يكون لمواليه، ومواليه: ابنته هذه والميتة نصف ثمن، فهو موروث عنها لموالي أبيها، وموالي أبيها: وهي نفسها وأختها، فيصير للحية سبعة أثمان المال وثلاثة أرباع الثمن وربع الثمن وهو واحد من اثنين وثلاثين سهمًا للميتة، فهو يورث عنها لموالي أمها، وموالي أمها:أختها هذه وأبوها فهو بينهما نصفان، فتصير المسألة من أربعة وستين سهمًا، للبنت الباقية ثلاثة وستون سهمًا، وللأب سهم، فيختزل، إذ من يده خرج وإليه رجع، ويصير جميع المال للبنت الباقية، فقد ورثت مرة بالنسب وخمس مرات بالولاء، ثلاثًا بالصريح واثنين بالجر، فالأولى بصريح عتق أخيها، والثانية بصريح عتق أمها، والثالثة بصريح عتق أبيها، والرابعة بما جر إليها أبوها من ولاء أخيها، والخامسة بما جرت إليها أمها من ولاء أخيها.

.كتاب التدبير:

وهو إيجاب وإلزام.

.والنظر في أركانه وأحكامه.

أما:

.الأركان:

فهي: اللفظ، والأهلية.
أما:

.(الركن الأول) اللفظ:

فصريحه قوله: دبرتك، أو أنت مدبر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت حر بعد موتي تدبيرًا، أو أنت عتيق عن دبر. وما أشبه ذلك من الألفاظ التي تفيد تعليق عتقه بموته على الإطلاق لا على وجه الوصية، كما إذا قيد بوجه مخصوص كقوله: إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا، فإن هذا يكون وصية لا تدبيرًا، فأما لو اقتصر على قوله: أنت حر بعد موتي أو يوم أموت، فهذا يكون وصية ما لم ينو به التدبير.
وقال أشهب: إذا قال هذا في صحته من غير إحداث وصية لسفر، أو لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة. فهو تدبير.
ولو قال: إن دخلت الدار فأنت مدبر، فلا يصير مدبرًا ما لم يدخل الدار.
ولو قال: أنت حر قبل موتي بسنة، نظر، فإن كان السيد مليًا أسلم إليه لخدمته، فإذا مات نظر أيضًا، فإن كان الأجل حل والسيد صحيح كان العبد من رأس ماله ورجع بكراء خدمته بعد الأجل من رأس مال السيد، وإن حل وهو مريض فهو من ثلثه ولا رجوع له بخدمته. وإن كان السيد غير ملي خورج العبد وأوقف خراجه، فإذا مضت السنة وشهر بعدها من السنة الثانية أعطي السيد خراج شهر من السنة الماضية بقدر ما ينوب كل شهر من الخراج، فكلما مضى شهر من هذه أعطي خراج شهر من تلك.

.الركن الثاني: الأهلية:

ولا يصح التدبير من المجنون وغير المميز. وينفذ من المميز، ولا ينفذ من السفيه، وينفذ من ذات الزوج، وإن لم يكن لها سوى ما دبرت. قال ابن القاسم: لأنها لا يخرج من يدها شيء، بخلاف العتق.
وقال سحنون: لا يجوز لها ذلك إلا بإذن زوجها.
وقاله مطرف وابن الماجشون.
وأما الكافر الأصلي فيصح تدبيره لعبده بعد إسلامه، ثم يعتق عليه في قول مطرف لأنه منعنا من بيعه. ويؤاجر عليه في قول ابن القاسم.
ومن دبر نصيبه من عبد مشترك لم يسر إلى الباقي، لكن يتقاويانه فيكون رقيقًا كله أو مدبرًا كله. وروي: إن شاء الشريك قوم عليه، وإن شاء قاواه. وروي أيضًا: إن شاء ترك نصفه مدبرًا.
وكذلك لو دبر بإذن شريكه بقي نصفه مدبرًا، ولا حجة للعبد في التقويم. وروى ابن حبيب عن مطرف: أنه إن شاء قاوى أو قوم أو تماسك. قال مطرف: سواء كان الذي دبر موسرًا أو معسرًا. وروى أشهب في من دبر حصته بإذن الشريك أو بغير إذنه، أنه ليس للشريك الرضا بالتماسك، ولابد من المقاواة.

.النظر الثاني: في أحكامه:

وله أحكام:

.الحكم الأول) ارتفاعه):

ويرتفع بقتل سيده عمدًا، أو باسترقاق الدين له وللتركة، أو بمجاوزة الثلث. وهذا القسم يرفع كمال الحرية لا أصلها، فإذا دبر عبدا لا مال له غيره عتق بموته ثلثه. وكذا لو دبر في الصحة. ولو ضاق الثلث وكان للسيد دين مؤجر على حاضر بيع بالنقد فإن كان على غائب قريب الغيبة، وهو حال استوى بالعتق حتى يقبض الدين. وإن كان بعيد الغيبة، أو على حاضر معدم، بيع المدبر للغرماء الآن. فإن حضر بعد ذلك الغائب، أو أيسر المعدم، والعبد بيد الورثة، أعتق في ثلث ذلك بعد قضاء الدين. واختلف إذا خرج عن أيديهم ببيع، فقال ابن القاسم في العتبية: يكون ما يقتضي من الدين للورثة ولا شيء فيه للمدبر.
وقال عيسى وأصبغ: يعتق منه حيث كان. قال الشيخ أبو محمد: والذي قال عيسى هو المعروف عن مالك وأصحابه في كل ديوان ذكرناه.
قال أبو الحسن اللخمي: وهو ظاهر الكتاب، والأول أقيس، ولا يرتفع بإزالة الملك، إذ لا يجوز له بيعه ولا المعاوضة عليه ولا الوصية به، ولا يخرجه عن ملكه إلا بالحرية، ولا له رفعه بالرجوع عنه إذ هو إيجاب لازم لموجبه. ولو جنى لم يبع في جنايته، وأسلمت خدمته فيختدمه المجني عليه بقدر أرض الجناية. إن شاء السيد، وإن شاء افتدى خدمته بقدر أرض الجناية. ثم إن استوفى من خدمته أرش الجناية والسيد حي رجع إليه مدبرًا على حاله. وإن مات السيد قبل ذلك وله مال يخرج المدبر من ثلثه، عتق، وكان ما بقي من أرش جنايته دينًا في ذمته. وقيل: لا شيء عليه مما يبقى من أرش جنايته. فإن لم يكن لسيده مال غيره عتق ثلثه ورق ثلثاه، وكان عليه ثلث ما بقي من أرش جنايته دينًا في ذمته، على ما تقدم، وكان ثلثًا ما بقي متعلقًا برقبته، وخير الورثة بين إسلام ثلثيه في الجناية وافتكاكه بثلثي ما بقي من الأرش. فإن جرح اثنين تحاصا في خدمته. ولو جرح واحدًا فأسلم إليه ليختدمه فجرح آخر بعد إسلامه تحاصا أيضًا في خدمته ببقية جناية الأول، وجملة جناية الثاني بخلاف القن لأنه قد ملكه المجني عليه إذا اسلم إليه، فإذا جنى خير هذا الذي قد ملكه كما خير الأول. والمجني عليه في المدبر لم يملك الخدمة لأنه إنما تجب له أولاً فأولاً، ولا يكون أولى بما يأتي من الثاني. وخرج فيها الشيخ أبو القاسم وجهًا آخر وهو: أن يخير المجروح الأول في افتكاكه أو إسلامه، فإن افتكه اختص بخدمته، وإن أسلمه بطل حقه من خدمته.
فرع:
روى أشهب أنه إذا جنى المدبر الصغير الذي لا عمل عنده لم يسلم حتى تبلغ الخدمة، فإن مات قبل ذلك سقط حق المجني عليه. وكذلك المدبرة لا عمل عندها ولا صنعة، قيل: فلم تؤخر المدبرة الكبيرة التي لا عمل عندها، قال: قد يموت سيدها أو يصيب مالاً أو يكون شيء.

.الحكم الثاني: السراية.

وولد المدبر من أمته بمنزلته، وكذلك ولد المدبرة من غير سيدها بمنزلتها.
وإذا مات السيد والمدبرة حامل عتق معها حملها. وإن كانت حاملاً عند التدبير فولدها أيضاً بمنزلتها، علم بحملها أو لم يعلم. واختلف في أمة المدبر إذا حملت منه بعد التدبير ثم عتق هل تصير بذلك أم ولد أم لا؟

.الحكم الثالث: فيمن دبر عبيدًا:

فإن حمل الثلث جميعهم خرجوا منه، وإن ضاق بهم، فإن كانوا مترتبين قدم الأول فالأول وإن كانوا مدبرين في كلمة واحدة تحاصوا في الثلث بلا سهم.

.الحكم الرابع: في ماله:

في حياة سيده وبعد وفاته.
أما في حياة السيد، فللسيد أخذ ماله ما لم تحضره الوفاة أو يفلس وليس للغرماء أخذ ماله.
وأما حكمه بعد وفاة سيده فإنه يقوم به. قال ابن القاسم: إن حمله الثلث بماله عتق، وإن لم يحمله بماله عتق منه بحمل الثلث، وأقر ماله بيده.
قال سحنون عن ابن القاسم: إذا كان قيمة المدبر مائة دينار وماله مائة دينار وترك سيده مائة دينار، فإنه يعتق نصف ويقر ماله بيده، لأن قيمته بماله مائتان، ولا ينزع منه شيء، هذا قول مالك.
وقال ابن وهب: يجمع المدبر وماله إلى مال الميت، فإن خرج المدبر بماله في ثلث ذلك عتق وكان ماله في يديه، وإن كان الثلث يحمل رقبته وبعض ماله عتق وكان له من ماله ما حمله الثلث مع رقبته. وإن لم يدع غير المدبر وماله، وقيمة رقبته مائة وله ثمان مائة، عتق المدبر وكان له مائتا دينار من ماله، هكذا يحسب وكذلك يضم ماله إلى ما ترك الميت.

.كتاب الكتابة:

وهي غير واجبة على السيد، فلا يجبر عليها إن طلبها العبد، بقيمته أو بأكثر أو بأقل، ولا يجبره السيد عليها، قاله ابن القاسم وأشهب وعبد الملك. وروى بعض البغداديين أن له إجباره عليها. ثم لها أركان وأحكام.

.النظر الأول: في أركانها:

وهي أربعة:

.الركن الأول: الصيغة:

وهي أن يقول: كاتبتك على خمسين في نجم أو نجمين فصاعدًا، كل نجم كذا، وإن لم يقل: إن أديته فأنت حر. ولو قال: أنت حر على ألف، فقيل، عتق في الحال والألف في ذمته. ولو باع العبد من نفسه صح، وله الولاء. وكذلك لو دس من اشتراه، أو اشترط أنه يوالي من شاء.

.الركن الثاني: العوض:

وشرطه أن يكون دينًا منجمًا أو مؤجلاً. قال الأستاذ أبو بكر: ظاهر قول مالك أن التنجيم والتأجيل شرط في الكتابة، وذلك أن مالكًا قال: لو كاتبته على ألف درهم، ولم يذكر أجلاً، نجمت عليه، وإن كره السيد، بقدر سعاية مثله. قال: وعلماؤنا النظار يقولون: إن الكتابة الحالة جائزة، ويسمونها قطاعة، قال: وهو القياس.
ثم إذا تقرر الأجل فهو لعبد لا عليه، وليس من شرطه أن يكون مما يصح أن يكون ثمنًا المبيع أو أجرة لمستأجر، بل تجوز الكتابة على الوصفاء من حمران أو سودان وإن لم يصفهم، ويكون للسيد الوسط من ذلك. ويجوز على قيمة المكاتب، وتكون عليه قيمته وسط من ذلك، وتجوز على عبد فلان، عند ابن القاسم، وقال أشهب: لا تجوز وتفسخ إلا أن يشتريه قبل الفسخ.
وقال محمد: فإن لم يبعه أدى قيمته.
وقال ابن ميسر: لا يتم له شيء إلا به. وأما إن كاتبه على غرر كالعبد الآبق والبعير الشارد والجنين، أو على دين على غائب لا تعلم حياته، فقال أشهب: لا تنفسخ الكتابة وإن كنت أكره ما فعلا، لإجازة غير واحد الربا بين العبد وسيده. ولا يعتق حتى يقبض السيد ما شرط. ولو شرط في الكتابة أن يشتري منه شيئا مضت الكتابة ولم يلزمه الشراء. ولو كاتبه وباعه شيئا على عوض واحد دفعة واحدة صح، ولزم البيع والكتابة، ولو كانت ثلاثة أعبد على ألف في صفقة لصح.